موريتانيا..وجع الواقع وأفق التغيير

والبناء، لا كأدوات لإعادة إنتاج الصراع.

* المشاركة روحها: المواطن شريك في القرار عبر مؤسسات ديمقراطية فاعلة، وليس مجرد تابع للسلطة.

* الرسالة الحضارية جوهرها: تنفتح على قيم العصر ومكتسباته، مع الحفاظ على الأصالة الثقافية والدينية التي تشكل هوية المجتمع.

 

بهذا المعنى، فإن بناء دولة المواطنة ليس ترفا سياسيا، بل ضرورة وجودية لبقاء الوطن نفسه. فمن دونها، سيظل المجتمع أسير القبيلة والشرائح والمظلوميات القديمة؛ ومعها وحدها يمكن أن يولد وطن جديد، عادل وقادر على احتضان جميع أبنائه.

 

خاتمة

 

إن الانتقال من منطق القبيلة إلى منطق الدولة لا يتم تلقائيا، ولا يمكن أن يُفرض بقرارات فوقية، بل يحتاج إلى شروط جوهرية تُمكن المجتمع من عبور هذه المسافة الحضارية بأمان. أول هذه الشروط هو إعادة بناء العقد الاجتماعي على أساس المواطنة، بحيث يصبح القانون هو المرجعية العليا، لا العصبية ولا الولاءات الضيقة. وثانيها هو ترسيخ العدالة الاجتماعية التي تضمن توزيعا منصفا للفرص والثروات، وتُضعف الحاجة إلى الاحتماء بالقبيلة كملاذ أخير. وثالثها إصلاح التعليم والإعلام بوصفهما الأداتين القادرتين على صياغة وعي جديد، يُعلّم الأجيال أن الانتماء للوطن يسمو على أي انتماء آخر. ورابعها هو محاربة الفساد السياسي الذي يعيد إنتاج القبيلة كأداة للزبونية والمحسوبية.

 

إن هذه الشروط ليست نظريات مجردة، بل خطوات عملية إذا لم تُنجز ستظل الدولة الحديثة في موريتانيا مجرد هياكل شكلية تسكنها روح القبيلة. وحدها دولة المواطنة قادرة على أن تؤسس لوطن عادل، قوي، يحتضن أبناءه جميعًا دون تمييز.

 

ومن هنا، يبرز السؤال الجوهري: هل نحن قادرون اليوم على استيفاء شروط هذا الانتقال، وبناء عقد اجتماعي جديد يضمن الشرعية ويحصّن الدولة ويجمع الجميع تحت سقف واحد؟ هذا ما سنناقشه في المقال الثالث من هذه السلسلة: "أزمة الشرعية والبحث عن عقد اجتماعي جديد".


الرايس أعل التلي/ كاتب وباحث