سادسا: نجح المؤلف محمد فال ولد سيدي ميله في تقديم كتاب مهم للدارس الاجتماعي والأنتروبولوجي ، وحتى الأتنولوجي، وحسنته الملفتة أن قدم المعلومات بعين الناقد المتبصر، والمترجم الأمين للمعلومات في نفس الوقت، فحججه على صاحب الرحلة تصحيحية تكميلية لا تفنيدية. ولم يحل بينه وبين المعلومة سوء فحواها على مجتمعه، ولا الروح السبابية التحاملية، الانتقامية المتعصبة لصاحب السيرة، فقدم ما دوّنه بأمانة كبيرة، وموضوعية.
سابعا: بذل المؤلف محمد فال جهدا كبيرا في فك مغاليق المسميات والمصطلحات التي أخذها ولد كيجه على غير وجهها تصحيفا وحذفا، وصحح معلومات حيوية حول الشائعة السائدة عن ولد كيجه، وإمامته المزعومة في البراكنه، وأسطورة: "وبطلت صلاة مؤتم بمن بان كافرا"، الشائعة في موريتانيا. وكذلك أكمل حياته بمصيره النهائي، فكان المؤلَّف سيرة ذاتية كاملة لريني كايي الذي مات بالسل بعد سنوات من عودته إلى فرنسا.
ثامنا: لقد استغلق أحد المصطلحات على محمد فال لسوء تصحيف ولد كيجه له وهو مصطلح "أودات". وهذا المصطلح حسب وصف ولد كيجة يعني به "اللّوّادِيّاتْ"، فهن من يقمن بمثل ما وصف. وهن فئة من النساء يعشن بالطريقة الطفيلية التي وصفها ولد كيجه، فأنبهه إلى ذلك حتى يضيفه للطبعات اللاحقة من مؤلفه النفيس الذي اختط فيه منهجا عقلانيا لاستغلال وقراءة مذكرات المستعمرين، باعتبارها مذكرات مغرضة، تؤول كل شيء انطلاقا من مصالحها، و مركزيتها الثقافية، وترفعها، ومكيافيليتها. لا قراءتها باعتبارها مسلمات وحقائق لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها كما يفعل بعض الباحثين.
أخيرا: أهنئ كاتبنا المتميز محمد فال ولد سيدي ميله على أسلوبه المشرق، وزاوية نظره المتبصرة، واستنطاقه العقلاني لتجربة من أبرز تجارب التغلغل الاستعماري في أفريقيا الغربية وموريتانيا، المبكرة.
"الطريق إلى تنبكت، على خطى ولد كيجه" مؤلف شيق جدير بالقراءة رغم سوء طوية ولد كيجه وغدره.
د. محمد ولد أحظانا